تفاصيل تجربتي مع القات وكيف خدعني صديقي؟

تعاطيت القات لأول مرة

ربما كنت ارفض من قبل الحديث عن ذلك الجزء من حياتي، لكن عندما عرض علي أحدهم القات مرة اخرى، لم أتردد في نشر تجربتي.

كنت أسكن في إحدى الأحياء الشعبية في الولايات المتحدة أين عملت مبرمجا بإحدى الشركات.
كان شريكي في السكن يمني الجنسية، كنت ألاحظ عليه أحيانا عدم الاتزان النفسي، ولكن عندما يخرج من جيبه تلك الأعشاب ويمضغها بتلذذ يتحول إلى شخص بمزاج رائق، ويكتسب طاقة وحيوية طالما أغرتني.

تجربتي مع القات الشخصية بدأت عندما طلب مني برمجة مكثفة لبعض المواقع وفي ظرف وجيز، ويوم وراء الآخر ثبطت همتي وعانيت الإرهاق، نظر إلى صديقي اليمني واستفسر عن حالتي، فشرحت له، حدق بي في شفقة، دس يده في جيبه، وآخرج أوراق نباتية، وقال لي امضغ هذا رويد رويدا وامتص إفرازه ثم ابصق البقية، سيمنحك ما تريد في ظرف دقائق، نظرت إليه مستفسرا، قال هذا القات منشط شعبي لدينا لا تخف.

شممت القات كان له رائحة خفيفة تشبه النباتات العطرية، قبضت ذائقتي من طعمه اللاذع، وسرعان ما منحني درجة منخفضة من الحلاوة.. بعد دقائق بدأ جسدي يستفيق وذهني يرتفع، حيوية ونشاط، رغبة ملحة في الحديث، تكلمت مبتهجا دون توقف، كان شعورا رائعا، أنجزت مهمتي وأنا مستمتع، لم آكل ولم أنم حتى صباح اليوم التالي.. ولكن ماذا بعد؟!!.

ظهور آثار مزعجة بعد مضغ القات في ظرف 24 ساعة

لا أنسى أبدا ما حدث لي..!، استمرت نشوة القات لمدة 90 دقيقة وذلك الوقت منحني الطاقة لإتمام كل شئ، ولكن آثار مزعجة كانت تنتابني إذ زاد معدل تنفسي، شعرت بحرارة وهبات ساخنة، تعرق، والغريبة أنني لا أبالي، وياليتني اهتممت..!.

لم أذق طعم النوم ذلك اليوم، في منتصف الليل أصبت بالغثيان والرغبة في التقيؤ، رؤية ضبابية، ظللت على تلك الحالة حتى الصباح، نزلت إلى الشارع وأنا مشوش الفكر، غير مستقر نفسيا، في العمل حاولت عرض أفكاري لكنني وجدت صعوبة في صياغة فكرة واحدة، هذا الأمر أثار استياء مدرائي، فطلبت الانصراف.

حالتي كما هي توتر وارتباك، والعجيب إني كنت أفكر في القات، ليس في آثاره المزعجة الممتدة ولكن في نشوته الممتعة المؤقته، هكذا يحدث الاعتماد النفسي على المخدرات..!

اقرأ أيضاً عن:كم يبقى مفعول القات وكيف يمكن إبطاله؟

تجربتي الثانية مع تأثيره وخدعة صديقي اليمني

نمت كثيرا، استيقظت ليلا، رأسي ولساني يعانيان الثقل، أفكر في نظرات المدراء، أردت أن أقوم بعمل يبهرهم، ولكن لا أفكار لدي، هنا قفز القات في الذهني ولم لا، سآخذ من صديقي اليمني بعض الأعشاب سأتناول زهرة الجنة مرة ثانية.

ذهبت إلى صديقي اليمني، وطلبت منه بعض القات، ولكنه أكد أنه لا يملك ثمنها، بدون تردد أخرجت حفنة من النقود وقلت تصرف لنا في البعض منها.

في ظرف 10 دقائق، أتى لنا بلفة قات، مضغت الجرعة، انتشيت، وشرعت في العمل، لكن لم تؤثر الجرعة في مثلما حدث أول مرة فطلبت المزيد، أعطاني مضغت، النشاط يسري في عروقي، انتهيت من العمل، وهذه المرة كنت مستعدا للأرق.
في الصباح طلبت جرعة قات أخرى حتى أكون أكثر تركيزا في عرض أفكاري، طلب مني المال، ثم تناولت الجرعة.

بعد الرجوع من العمل أردت الاحتفال بعدما كان الاجتماع موفقا، مدت له المال مباشرة حتى يأتي لنا بالقات، هذه المرة لم يتعاط معي اليمني، بل أخرج ورقة من جيبه، به مادة مسحوقة قال لي إنها كوكايين استنشقه ودخل في غيبوبة التخدير.

أصبح القات عادتي الحلوة المقيتة، انتشي لدقائق وأعاني ساعات، بدأ الاضطراب النفسي يسيطر علي، وأنا أزيد في الجرعة يوميا، وصديقي يزيد السعر، لم يعد لدي ما يكفي من المال، طلبت منه جرعة رفض..!!.

حينها كنت أعاني من أعراض انسحاب، خرج صديقي فخرجت ورائه دخل في حديقة بجانبنا، نظرت من ثقب الباب وهالتني المفاجئة، شجرة قات مزهرة أمام عيني، كان يزرعها، ضربت الباب بشدة، فتح لي واستفسر عن سبب مجيئي قلت: ” القات أنت تمتلك شجرة!”، قال: ” إذا ادفع”.

عرفت بعدها إنه كان يتاجر في القات ويأخذ الربح حتى يتعاطى الكوكايين، الكوكايين أيضا منشط، إذ بدأ اليمني بالقات ولما احتاج لمخدر أشد قوة اتجه للكوكايين. كان يخدعني وسحبني للتعاطي من أجل تجارته.
جررت قدماي والغضب يملأني والانسحاب يأكل بقاياي.

الأعراض الانسحابية للقات دفعتني للاستدانة

مرت ساعات وأنا أعاني من أعراض انسحاب القات منها:

• رعشات في جسمي والذراعين.
• تعب وألم وإرهاق.
• لسان ثقيل، صداع شديد.
• مزاج متقلب.
• اكتئاب.
• نعاس شديد.

لم أفكر في الذهاب للعمل، الهاتف يدق، أعرف أنه مديري، ام أنظر للهاتف، ذهبت لزميل لي وطلبت منه المال، هرولت لليمني وتناولت منه الجرعة، أكلتها سريعا، وهدأ الانسحاب، مضغت المزيد والمزيد دون شعور، كان فمي يؤلمني بسبب البكتيريا والالتهاب نتيجة تعاطي القات، قلبي يدق بسرعة فائقة، ضغطي مرتفع، أنا لا أبالي أريد مضغ القات.
لقد دخلت تجربتي مع القات في مراحلها المظلمة منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً عن:ما هي أعراض انسحاب القات وكم تستمر والعلاج

الأضرار تتفاقم والديون تتراكم وخسارة وظيفي باتت وشيكة

كنت أجلس في عملي لا أتكلم مع أحد، كئيبا، كثير للقلق والتوتر، يقولون لي إني كنت أهلوس، أتكلم مع نفسي، وأقوم بأفعال همجية، أنظر لزملائي كأعداء، لم أعد أثق في أحد فالجميع كان يريد تدبير المكائد لي، أهرول لأتناول القات، عرفت بعدها إني كنت اعاني من اضطراب الذهان بسبب القات، ليس ذلك وحسب بل تفاقمت أضرار القات منها:

• التهاب الأوعية الدموية لذلك ظهرت كدمات في جسمي
• ضرر في الكبد واصفرت عيناي وجلدي.
• ألم بالغ في المعدة وإمساك، فقدان شهية وأصبت بسوء التغذية وهزل جسدي.
• سلوكيات متهورة واندفاع.
• أوهام.
• اضطراب نوم وذاكرة ضعيفة وتركيز منعدم.
• خسارة الأصدقاء والانعزال.
• أداء بدني وذهني ضعيف.
• تراكم الديون.
• التهديد بالطرد من العمل.

بعد التهديد بالطرد من العمل، حاولت التوقف عن تعاطي القات، ولكن هاجمتني أعراض الانسحاب بشدة، لم أقاوم أكتر من ساعتين وعاودت التعاطي.

اقرأ أيضاً عن:إليك أضرار القات الجسدية والنفسية وتأثيره على القدرة الجنسية

وفي ذات صباح طلبني مدير العمل، نظر إلى طويل وقال اأتتعاطى المخدرات؟!، هنا توقف لساني عن الحديث، قالي لي لا داع للخوف فجميعنا من الممكن أن نخطئ، اعتبرني صديقا لك وأنا متفهم حالتك، وبجانبك إن أردت.

تلك الكلمات رغم توجسي هدأتني قليلا، أخرجت القات من جيبي وقلت أتناول ذلك اسمه القات، تناول هاتفه فأصابني الذعر، دخل أحد المواقع التي تتحدث عن القات بها فيديو، وقال أنظر هذه حالتك الآن، شاهدت مقطع الفيديو ولم أصدق، رأيت شخص مهلوس، هائج مضطرب، ثم طلب مني الهاتف، واتنقل لمقطع آخر وقال ” يمكنك أن تعود هكذا من جديد”. كان نفس الشخص ولكنه عاد طبيعيا يتحدث بلباقة. فنظرت للمدير صامتا. قال يحدث ذلك بعلاج الإدمان في ظرف 3 أشهر، سأمنحك إجازة مفتوحة ليتم علاجك ما رأيك؟.

أردف قائلا ” تعامل موظف قبلك مع مستشفى دار الهضبة، تعتبر من أنجح وأفضل مراكز علاج الإدمان في مصر، سيستقبلك وفد من المركز في المطار، ويتم علاجك هناك، وعندما تشفى ستعود لاستئناف العمل، وإلا ستخسر وظيفتك”. أجبت بنعم أريد أن أعالج من القات

كيف كانت تجربتي مع ترك المخدر

تجربتي مع القات بدأت في التلاشي عندما وصلت مصر بعد يوم من حديثي مع مديري.
نزلت المطار فوجدت مندوب مستشفى دار الهضبة ينتظرني، وصلت لمقر المركز، والأعراض الانسحابية تنتابني، رحب بي الجميع، وفي لحظة كنت أود أن أهرب لأتناول القات، ولكن التقطني الطبيب وأكد أنه يشعر بما أمر به الآن، وأردف أنه في مدة وجيزة سأتخلص من ذلك الألم.

المكان منظم هادئ، محاط بالمساحات الخضراء، رأيته مشرقا مفعما بالحب وبالعاطفة الإيجابية، في ظرف ساعة تم إخضاعي للفحص والتشخيص، إعداد تقرير طبي، ووضع خطة علاجية خاصة بي للتخلص من إدمان القات وكانت تجربة ترك القات جديرة بالافتخار والاعتزاز.

الخطوة الأولى كانت سحب سموم القات من الجسم بدون أن أشعر بألم أو اضطراب، وخلال 7 أيام باستخدام الأدوية التي حمتني من أعراض الانسحاب، والغذاء الذي رفع من تحمل جسمي وكفائه، اختفى الانسحاب وبدأت أشعر بالتحرر، ورغم ذلك كان هناك رغم داخلي رغبة في التعاطي وشئ من القلق والانقلاب المزاجي.

أخبرني الطبيب بعد استعادة جزء من صحتي، أن القات مشابه للامفيتامينات كمثال الكوكايين، لذا يجب أن تتم المعالجة النفسية لاستقر، ثم المعالجة السلوكية لتنطفئ نيران الرغبة واستطيع التحكم في أفكاري.

دخلت المرحلة الثانية وخلال شهرين ونصف، كنت أعالج نفسيا ويتم تأهيلي سلوكيا، ايام العلاج كانت ممتعة سلسة مفعمة بالاحتواء والدعم والنشاطات وكأنني في منتجع سياحي، جلسة نفسية، غذاء صحي، تأمل، يوجا، مجموعات دعم، وكل يوم كنت أتعلم المزيد والمزيد عن نفسي وأكون صداقات ويتلاشي التفكير في القات.

مرت 3 أشهر، أخبرني الطبيب إني جاهز للخروج، ولكن علي العمل على منع الانتكاس، وأوصاني بمهام كالالتزام بالعادات الصحية، البعد عن الإجهاد، ملء وقت فراغي، وحضور جلسات الدعم. شكرته من صميم قلبي.
كانت تجربتي مع القات وتركه ناجحة مع مستشفى الهضبة كما أكد لي مديري.

أنا متعافي من إدمان القات.. نهاية التجربة

فور خروجي تواصلت مع مديري لشكره، وقلت له أنا الآن متعافي من إدمان القات، منحني 3 أشهر أخرى إجازة حتى تمر فترة التعافي المبكر.
ورغم اني تعافيت، أكد لي مديري بعدم الأفراط في الثقة بالنفس، فالجسم والمخ في مرحلة بناء أثر القات عليهما بنية ووظيفة، لذلك فترة التعافي الأولى مهمة لمنع للانتكاس. وافقته وذهبت للمنزل.
استقبلني الأهل بحفاوة، وكانوا نعم الدعم، شاركوني في مهام التعافي، حضروا معي جلسات لعلاج الأسرة، أشبعوني عاطفيا، رغم المنزلقات التي مررت بها ولحظات التفكير في تعاطي القات إلا أن مجموعة التعافي والطبيب كانوا بجانبي ومنحوني الشعور بالثقة، مرت ال 3 أشهر بسلام، عادت شخصيتي إلي، بينما الدماغ مازال يعمل لاستعادة وظائفه، وعلى كل بعد 12 شهرا كان كل شئ في جسدي وعلى مستوى صحتى العقلية طبيعيا.

رجعت إلى عملي مستعيدا نشاطي وحيويتي، حافظت على نفسي من الإجهاد، عرفت أن مديري مدمنا متعافيا منذ سنوات، واكتشفت أن صديقي اليمني مات إثر جرعة زائدة من الكوكايين، أبلغت الشرطة عن مكان شجرة القات، تم اقتلاعها والتحفظ على الحديقة، والآن وبعد عامين تقريبا انا شريك لمديري ونستعد لافتتاح فرع آخر.

اقرأ أيضاً عن:إليك طرق علاج إدمان القات والتخلص منه نهائيًا

ملخص المقال

بقدر ما كانت تجربتي مع القات مليئة بالألم والاضطراب والخسارات واحتقار الذات، إلا أنه لا شئ يعادل لذة الانتصار على الإدمان، إذ تعود حرا لا يتحكم في شخصيتك مخدر.
كان التعاطف والدعم أساس اقتناعي بالعلاج من قبل مديري، المهنية والكفاءة من قبل مستشفى دار الهضبة، الاحتواء والمشاركة من قبل أسرتي، تصميمي على منع الانتكاسة والتزامي بخطة التعافي.
نصيحتي لكم، القات مخدر يسبب الإدمان، لا تعدوه منشطا، أو تقليدا مقبولا، الأمر أخطر من ذلك بكثير، وما أنا متاكد منه أن إدمان القات يسبب تليف الكبد وأمراض القلب. لكن يمكن للجميع التخلص من إدمانه في ظرف شهور.